تكنولوجيا واقتصاد

الإصلاح الحقيقي يبدأ بخطة نجاح واحدة لإعادة الثقة

يتناول الجميع موضوع الإصلاحات، وإعادة الهيكلة، وسلّم بنود لإعادة الدورة الاقتصادية، لكن للأسف، كل ما يتمّ تداوله يُعتبر مرة أُخرى شعارات فارغة المضمون، ووعوداً سياسية شعبوية لا تُنفّذ، وستبقى أوهاماً في الفضاء.

إذا أردنا التركيز على موضوع الإصلاحات جدّياً، علينا أن نركّز على إصلاح واحد حيوي، ومشروع واحد نهضوي، وقصة نجاح واحدة، لإعادة الثقة داخلياً مع الشعب ودولياً مع كل المنظمات والبلدان المانحة إقليمياً وعالمياً.

إنّ الحجر الأساس ونقطة الإنطلاق يجب أن يكونا بمشروع موحّد يُجمع الكل عليه، وننجح فيه، كي نُبرهن النيّة الحقيقية لإعادة الهيكلة الجدّية.

 

إنّ المشروع الحيوي والأساسي الذي نسمع عنه ونتعايش معه وبصعوبة وذلّ منذ نحو أكثر من 30 عاماً، والمشروع الذي تراكمت خسائره إلى أكثر من 50 ملياراً في السنوات الـ 25 الماضية، والمشروع الذي شبعنا منه وعوداً كاذبة وأوهاماً مستحيلة، هو لا يزال مشروع إصلاح الكهرباء.

 

إنّ إسطورة الكهرباء 24/24، وإسطوانة هذه الوعود، في السنوات الـ 30 الأخيرة، أوصلتنا إلى العتمة الشاملة والظلام الدامس، وخسائر جسيمة وعجز كارثي يدفع ثمنه المودعون المنهوبون والشعب المظلوم.

 

شئنا أم أبينا، إنّ من المستحيلات أن تعد الدولة اللبنانية بإعادة هيكلة هذا القطاع الحيوي والبنّاء، لأنّها مالياً ونقدياً وتقنياً لا تملك الإمكانات ولا السيولة لتوفير المعدّات، ولا المحرّكات، ولا بناء المعامل للإنتاج، ولا تأمين الوقود والكلفة التشغيلية، ولا حتى تأمين الصيانة للمعدات المتهالكة.

 

زيادة على ذلك، لقد فقدت الدولة الثقة للقيام بأي نجاح في ظلّ الفساد المستشري في كافة دوائرها، فضلاً عن التوظيف العشوائي والخدماتي والطائفي والمذهبي والحزبي الذي شهدناه في السنوات الـ 25 الأخيرة، وخصوصاً في هذا القطاع المتهالك والذي ينهار أكثر يوماً بعد يوم. فالحل الوحيد في الوقت الراهن لإعادة هيكلة وبناء الكهرباء، لا يُمكن أن يكون إلاّ عبر القطاع الخاص، والمبادرة الحرة والرياديين الذين وحدهم يستطيعون إعادة إعمار هذا القطاع الحيوي.

 

كنّا نطالب منذ عقود بخصخصة الكهرباء وقسم كبير من المؤسسات العامة، والقطاع العام ككل، لكننا نتخوّف اليوم من هذا المشروع، وعودة الفاسدين من الطاقة ووراء الستار بأسماء شركات وهمية، وشراء مؤسسات الدولة من قِبل الذين هدّموها أنفسهم، بأسعار بخسة. فمشروع الخصخصة في ظلّ السلطة القائمة، له مخاطر جسيمة ونقاط استفهام مخيفة في ظل انعدام الثقة واستمرار الحكم بأيادي الفاسدين.

 

لذا، إنّ الحل الوحيد يكون عبر مشاريع الـ BOT، ( BUILD OPERATE TRANSFER ) والتي تعني البناء والتشغيل والتحويل، مع شركات خاصة داخلية أم خارجية، التي ستقوم هي بالاستثمار والإدارة والتشغيل وتؤمّن أفضل المستلزمات لخدمة اللبنانيين.

 

في هذه المشاريع يتحسّن الإنتاج والخدمات والملاحقة المهنية، وتبقى الملكية للدولة والشعب اللبناني، وتسترجع الدولة هذا القطاع مع كلا استثماراته بعد 15 أو 20 عاماً.

 

للقيام بهذه المشاريع يجب تشريع قوانين تسمح باللامركزية لإنتاج الطاقة، وتسمح أيضاً بتأسيس شركات مساهمة خاصة في كل المناطق اللبنانية، تستطيع أن تقوم بإنتاج وتوزيع الكهرباء، وخصوصاً لتنفيذ وعود الكهرباء 24/24 ساعة.

 

فهذه الشركات المساهمة ستستثمر بأهم المعدَّات لإنتاج الكهرباء، وتعمل على الفيول والغاز، وخصوصاً تتكل على إنتاج الطاقة الشمسية، لتوفير الكلفة بأقل من الربع أو الثلث، مما يُدفع اليوم ثمن فاتورة المولدات الخاصة، والتي قسم كبير منها بأيادٍ خفية ومختبئة من بعض النافذين في البلاد. فمن ضمن هذه المشاريع اللامركزية بالإنتاج، سنقوم بشبه خصخصة، وتحسين الخدمة، وتقليص الأسعار للمستهلك والشعب الذي لا ثقة لديه بالدولة.

 

في الخلاصة، إنّ الإصلاح الحقيقي والجدّي والمنتج، عليه أن يبدأ بمشروع واحد وفوري وحيوي، لبناء قصة نجاح كحجر أساس لإعادة بناء ما دُمّر عمداً، ولنُبرهن ونُثبت حقيقة للشعب والمجتمع الدولي النيات الحقيقية إذا كانت موجودة فعلاً.